JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
recent
عاجل
Accueil

من هنا نبدأ … الحياة البرلمانية بين الواقع والمراجعة ومسؤولية الدولة في إعادة ضبط المسار

 



د.م. مدحت يوسف

التاريخ: 16 / 12 / 2025


في خضم الزخم الذي تعيشه الساحة السياسية المصرية مع اقتراب انتهاء المراحل النهائية للانتخابات البرلمانية تتصاعد حالة عامة من التساؤل والقلق المشروع حول مستقبل الحياة النيابية برمتها هذه الحالة لم تنشأ من فراغ بل جاءت انعكاسا مباشرا لما شهدته مرحلة الإعداد والترشح من أحداث متباينة وسلوكيات متناقضة أفرزت واقعا غير مطمئن لدى قطاعات واسعة من المجتمع حول ما إذا كان البرلمان المقبل سيبدأ عمله وفق الإطار الدستوري الحالي أم أن المشهد سيخضع لإعادة قراءة شاملة تفرضها ضرورات الدولة ومتطلبات المرحلة


هذه التساؤلات التي تدور في الشارع المصري لم تعد محصورة في دوائر السياسة المغلقة بل أصبحت موضوعا عاما تتناقله وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط التواصل الاجتماعي ويشارك فيه الجميع دون استثناء من له خبرة سياسية ومن يفتقدها على حد سواء وهو ما يعكس حجم الانشغال الشعبي بالمشهد ويكشف في الوقت ذاته عن تآكل نسبي في الثقة ناتج عن مشاهد واقعية عايشها المواطن خلال هذه المرحلة


وبرغم هذا الغموض الذي يحيط بالمصير النهائي للمجلس المقبل فإن ما جرى على الأرض من ممارسات انتخابية لا يمكن تجاهله فقد تحولت المنافسة في بعض الدوائر إلى معارك مفتوحة خرجت عن إطار السياسة الرشيدة وتجاوزت حدود الاختلاف المشروع إلى ساحات تمس القيم والأخلاق والاعتبار الاجتماعي من تشويه متعمد وإشاعات مغرضة وتحالفات مؤقتة تحكمها المصالح الضيقة لا الرؤية الوطنية في مشهد لا ينسجم مع طبيعة الدولة المصرية ولا مع ما تطرحه من مشروع حضاري تحت مسمى الجمهورية الجديدة


الأكثر خطورة في هذه المرحلة كان الحضور الطاغي للمال السياسي وما ترتب عليه من تشويه للإرادة الشعبية وإفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الحقيقي فحين يصبح الإنفاق الباذخ وسيلة للوصول إلى مقعد نيابي فإننا نكون أمام أزمة أخلاقية وسياسية في آن واحد لأن من يشتري الصوت لا يمكن أن يكون حارسا عليه ومن يزور الإرادة لا يستطيع أن يعبر عنها والأخطر أن هذا النمط يفرز نوابا مدفوعين بمنطق استرداد ما أنفقوه لا بخدمة من منحهم الثقة وهو ما يهدد جوهر العمل التشريعي والرقابي


في هذا السياق جاءت توجيهات القيادة السياسية خلال الفترة الحالية واضحة في مضمونها ودلالاتها حيث عكست قدرا كبيرا من عدم الرضى عما شهدته الساحة من ممارسات وسلوكيات لا تتسق مع طموحات الدولة ولا مع معايير الانضباط التي تسعى لترسيخها القيادة لم يكن هذا الموقف تعبيرا إعلاميا عابرا بل رسالة سياسية عميقة مفادها أن الدولة تراقب وتقيّم وأن ما حدث لا يمثل الشكل المنشود للحياة السياسية في مرحلتها الجديدة


ومن هنا يصبح الحديث عن تصحيحات قادمة أمرا متوقعا بل ضروريا تصحيحات لا تنطلق من منطق رد الفعل بل من رؤية شاملة لإعادة ضبط المسار بما يحفظ هيبة الدولة ويعيد الثقة في مؤسساتها هذه التصحيحات قد تشمل إعادة النظر في شروط الترشح لمجلس النواب وآليات الرقابة على الحملات الانتخابية ومصادر تمويلها وقد تمتد إلى مراجعات تشريعية وربما دستورية تضع ضوابط أكثر صرامة تمنع تكرار ما جرى وتضمن وصول الكفاءة والنزاهة لا النفوذ والمال


ولا يمكن في هذا السياق إغفال دور الأحزاب السياسية التي خاضت هذه المرحلة وهي تعاني من أزمات بنيوية واضحة فقد كشفت التجربة عن ضعف في قدرتها على الفرز الحقيقي بين المرشحين وعن غياب البرامج الجادة مقابل الحضور الشكلي والشخصنة المفرطة وهو ما أضعف دورها الطبيعي كوسيط بين الدولة والمجتمع هذا الواقع يفرض ضرورة إعادة تعريف دور الأحزاب وإعادة بناء خريطة عملها على أسس أكثر نضجا تقوم على إعداد الكوادر وصناعة السياسات لا مجرد خوض الانتخابات


إن إعادة النظر في الخريطة الحزبية باتت ضرورة وطنية في المرحلة المقبلة بما يضمن وجود كيانات سياسية حقيقية قادرة على استيعاب الوعي المجتمعي المتنامي وتمثيله بصدق والمشاركة الإيجابية في الحياة العامة دون أن تتحول إلى عبء على الدولة أو أداة لإرباك المشهد


وفي هذا الإطار لا يمكن الفصل بين ما جرى في انتخابات مجلس النواب وما سبق أن شهدته مرحلة إعداد وانتخاب مجلس الشيوخ فرغم أن المرحلة الانتخابية للشيوخ قد انتهت فإن ما صاحبها من ملاحظات وسلوكيات هو ذاته ما يتكرر اليوم في الغرفة البرلمانية لمجلس النواب وهو ما يستدعي أن تشمل المراجعة المرتقبة المجلسين معا في إطار رؤية واحدة متكاملة لأن نجاح أي غرفة تشريعية لا يتحقق بالمسميات أو الشكل بل بوضوح الدور وجودة الاختيار والتكامل المؤسسي


إن الجمهورية الجديدة التي تسعى الدولة لترسيخها تقوم في جوهرها على فكرة الدولة المنضبطة القادرة على التعلم من تجاربها وتصحيح مساراتها ونضج القيادة السياسية في هذه المرحلة يعكس إصرارا واضحا على عدم السماح باستمرار الفوضى أو العبث السياسي تحت أي مسمى فالتصحيح هنا ليس تراجعا بل تقدما مدروسا يهدف إلى حماية الدولة وتعزيز ثقة المواطن في منظومتها التشريعية والسياسية


وإذا ما أحسن الجميع قراءة ما حدث وتحولت هذه التجربة بما حملته من سلبيات إلى درس وطني جامع فإن الأفق السياسي المقبل يمكن أن يكون أكثر نضجا واتزانا بثوب جديد وأسلوب مختلف يليق بدولة تخوض معركة بناء شاملة ويعيد للحياة البرلمانية معناها الحقيقي كأداة تشريع ورقابة وخدمة عامة لا كساحة صراع أو سوق للمصالح وبذلك نضع أساسا أكثر صلابة لمستقبل سياسي يتسق مع تطلعات الشعب المصري وروح الجمهورية الجديدة.

#خطى_الوعي #د_مدحت_يوسف #الأخلاقيات #القيادة_السياسية #الهدف #التحدي #النجاح #مجلسـالنواب #مجلسالنواب #مجلس الشيوخ 


NomE-mailMessage