بقلم / هشام احمد كامل
في مجتمعاتنا العربية نتربى على فكرة ان الاهل هم الحضن الاول، والملاذ الذي لا يخون، والظهر الذي لا ينكسر. لكن الحقيقة التي يخجل الكثيرون من الاعتراف بها ان الجراح الاعمق لا تأتي احيانا الا من اقرب الناس. جحود الاهل ليس مجرد حدث عابر، بل صدمة تهز انسان بالكامل، تكسر ثقته، وتعيد تشكيل صورته عن العالم.
جحود الاهل يبدأ بصمت.. كلمة موجوعة لا تقال، حق بسيط لا يعطى، وعد يكسر، او موقف يحتاج فيه الانسان سندا فلا يجد الا فراغا باردا. المفارقة المؤلمة ان الاذى القادم من الغريب يتحمل، اما الاذى القادم من البيت فيترك اثرا لا يمحوه العمر.
هناك اباء لا يرون اولادهم الا وقت الاحتياج، واقارب يتذكرون الانسان عند المصلحة فقط، واخوة يقتربون حينما يرثون ويبتعدون حينما يسألون عن واجب. والاسوء ان البعض يمارس جحوده وهو يظن نفسه على حق، وكأن القسوة اصبحت وجهة نظر.
لا احد يطلب من اهله الكمال، ولا احد ينتظر منهم المستحيل. كل ما يحتاجه الانسان هو كلمة طيبة، وقلب يشعر، وصوت يطمئنه بانه ليس وحده في هذه الدنيا. ولكن حين يتحول البيت الى مصدر ضغط لا راحة، وحين يفقد الانسان بين اهله قيمته، يصبح الجحود اكثر من مشكلة اجتماعية.. يصبح خيانة انسانية.
المؤلم ايضا ان المجتمع يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، ويلوم من يشكو، ويطالبه بالتحمل والصبر، وكأن القرابة وحدها تبرر الالم. بينما الحقيقة ان العلاقات تبنى بالرحمة والاحترام، لا بالورق ولا بالاسماء.
جحود الاهل ليس نهاية الطريق، لكنه درس قاس يجعل الانسان يعيد ترتيب قلبه. البعض يتعلم ان يصنع حول نفسه دائرة صغيرة من المحبين الحقيقيين، والبعض يقرر الا يكرر ما حدث معه عندما يصبح مسؤولا عن بيت واسرة. اما البعض فيدرك ان القرابة الحقيقية ليست دما، بل مواقف، وان الامان يصنع ولا يفرض.
وفي النهاية، سيظل جحود الاهل جرحا صامتا يحمله كثيرون، لكنه ايضا دعوة لتحطيم القوالب القديمة، وبناء علاقات صحية قائمة على الوعي، لا على العادات. فالاهل الحقيقيون هم من يحفظون القلب، لا من يكسرونه.