JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
recent
عاجل
Home

اللاوعي في فلسفة كارل يونغ

 

بقلم/ د. حنان حسن مصطفي
يجد كارل يونغ أن النفس مكوّنة من ثلاثة عوامل أساسية: الوعي المشروط بصلاته مع الـ(هو ego)، واللاوعي الفردي، ثم عناصر معينة من اللاوعي الجماعي. وهذه العوامل هي في حالة مواجهة وتكامل في الوقت نفسه؛ أي إن التأثير المتبادل لهذه العناصر هو في حالة مدّ وجزر دائميين. فمرة يهيمن العنصر العقلاني ويدفع اللاعقلاني صوب اللاوعي، وأخرى يسود اللاعقلاني متبادلاً الأدوار مع الآخر.
ويميز يونغ النفس الخارجية ectopsyche التي تكون العلاقة السائدة فيها علاقة النفس بالعالم الخارجي، كما هناك النفس الداخلية endo التي يكون المحور في فهمها علاقة النفس باللاوعي. وهكذا يتكلم يونغ عن موقفين بسيكولوجيين سائدين: المنفتح على الخارج extravertive، والمرتد إلى الداخل intro.
وكما نرى، فهذه البنية للنفس المنشطرة إلى عنصرين يتكاملان تارة ويستثني أحدهما الآخر تارة أخرى، يكملها عامل دينامي هو اللبيدو؛ هذه الطاقة النفسية المتوترة بين النقيض والآخر. ويعني هذا كله أن تلك الطاقة لا توجد حيث يحقق النقيضان التوازن، أو إذا تجمعت في إحدى حلقات هذا التضاد كل القوى التطورية للنفس. بعبارة أخرى: فإن طاقة اللبيدو تزول في حالة التوازن النفسي التام. فعنصرها المحرّك هو الحركة والتذبذب، وليس فقط بين المتضادين المذكورين بل كذلك صوب الخارج، وحينها تكون العملية عملية تكييف النفس للوضع الجديد.
ويكرر يونغ تأكيده الذي يفيد بأن جميع مضامين النفس تخلق عقدها الخاصة (وليس بالمعنى الفرويدي بالطبع). فهذه هي أحوال وجود مستقلة لا تخضع لإرادة الوعي. وكما قلنا: فالنفس تسعى صوب الاكتمال وبلوغ كل أحوال التحقيق ذروتها. وهذا هو دافعها التطوري الأكثر أولية. إلا أن المشكلة تتمثل في اختيار معيار هذا التطور المتوجّه صوب الاكتمال.
بالنسبة ليونغ، تتحقق النفس اكتمالها حين تخمد وتزول فيها شتى أنواع الثنائيات dualisms، ويتحقق فيما بعد تكاملها التام على مستوى جديد أعلى. وهذه النفس التي يسميها يونغ بـ "المملوءة" تؤدي إليها عملية التفرد individualization، أي التعرف التدريجي على مضمون اللاوعي.
وهذا الطريق خبره يونغ ذاته وكتب عنه في "كتابه الأحمر" المعروف. وهكذا نصل إلى مفهوم اللاوعي الجماعي. والحق أن يونغ لم يفرق في المرحلة الأولى بينه وبين اللاوعي الفردي، إلا أنه يتخلى فيما بعد عن مثل هذا التقسيم ويركّز على مفهوم اللاوعي الجماعي فقط. والأكيد أنه يصعب إيضاح معناه التعريفي؛ فيونغ يحدد إدراك وفهم هذا اللاوعي عبر سياقاته وما يحصل من أحوال تعقيد أثناءها.
وهكذا يقول: إن هذا اللاوعي هو مجموعة نماذج أولية archetypes تكون بمثابة وجود مستقل لا يملك الصلات بالـ(هو)، وفي أضعف الأحوال بمعنى العلاقات القائمة على مبدأ العلة والنتيجة. كذلك يؤكد يونغ بأن اللاوعي الجماعي بحد ذاته ليس طيباً ولا شريراً؛ إنه قائم فوق القيم ويحافظ على حياده إزاءها.
في سني النضوج، يكتسب اللاوعي الجماعي عند يونغ الصفات الإيجابية؛ فهو وجود يسميه بالنفس اللاشعورية psychoid لدى الإنسان. وهذا اللاوعي الجماعي هو كالهواء الذي نتنفسه؛ أي إنه ضروري للحياة بالرغم من أننا لا نفقه هذا الشيء، تماماً كالناس العائشين في المدينة الذين لا يعرفون منظرها العام إلا إذا كانوا في مشارفها.
ومثل هذه المدينة التي تلفها غمامات الهواء هو لاوعي يونغ الجماعي، الذي يشمل كل شيء: المادة المعدومة الحياة وجميع أشكال الحياة على السواء. ويكون الطريق إلى المشارف حيث يمكن مشاهدة هذا المنظر الحياتي هو طريق التفرد. وعادة، يغذ الفرد السير فيه وكذلك الجمع البشري. حينها يسمي يونغ هذه العملية بالتموضع objectivization، أي وضع مرآة ترنو من خلالها المنظومة المجتمعية. لكنه ينبغي في البدء إدراك أن هذا الدور ليس هو ذاته؛ فالشيء الجوهري هو: من يقوم بهذا الدور.
اللاوعي في فلسفة كارل يونغ

عبدالعظيم زاهر

Comments
    No comments
    Post a Comment
      NameEmailMessage