في عش الدبابير
صرخة العاجز ، وشوشات وأنين
(إضاءة خافتة. طارق يجلس وحيدًا،
كأن الليل كله انعقد داخله.
صمت طويل،
ثم يرفع رأسه كأنه يسمع شيئًا بعيدًا.)
طارق بهمس :
هناك صوت نداء يأتي من البعيد
كأن الأرض كلها تتنفس باسمي.
"تعالى .. تعالى "
خطوة واحدة ، مجرد خطوة واحدة فقط
هل هي هي؟
النداهة التي سمعت عنها في الحكايات؟
أم أنني أسمع نفسي؟
الصوت الداخلي :
وأنت يا طارق،
ألم تكن دائمًا تفتش عن صوتٍ يسحبك من واقعك؟
النداهة ليست سوى أنت حين تشتاق للفناء،
حين تبحث عن حافة النهر لتتأمل صورتك على الماء.
طارق متردد :
لكنهم قالوا إنها خطر ، من يسمعها لا يعود!
لماذا إذن أشعر أني عدت إلى الحياة
بمجرد أن سمعتها؟
لماذا يشدني هذا الغموض ،
أكثر مما يشدني الأمان؟
الصوت الداخلي متهكم :
لأنك يا طارق لم تعش يومًا من أجل الأمان،
بل من أجل السؤال.
أنت الذي قلت:
"الحياة بلا لغز جثة باردة".
أليست النداهة لغزك الأخير؟
طارق يتنفس بحدة :
لغز أخير؟ أم فخ أخير؟
كم مرة طاردت سرابًا ،
فوجدت نفسي في قاع البئر؟
كم مرة سمعت أصواتًا لا يسمعها غيري؟
أليس هذا الصوت امتدادًا لجنوني أنا؟
الصوت الداخلي بهدوء مفاجئ :
ومن قال إن الجنون عيب؟
النداهة لا تختار العاديين،
بل من لهم شغف العبور.
ربما أنت المختار،
وربما كل الذين ضاعوا
وجدوا حقيقة لا يراها الباقون.
(صوت وفاء يدخل من بعيد،
شفافًا لكنه قوي،
يزداد وضوحًا مع كل كلمة.)
وفاء:
أبي لا تذهب.
لا تدع الظلام يأخذك.
ألم تعدني أن تبقى لتمنحني نورًا أعيش به؟
أليست الحياة، حتى بأوجاعها،
أرحم من نداء مجهول؟
طارق ينهض، يخطو بتوتر :
وفاء! أنت هنا؟ أم أنك وهم آخر؟
أهذا صوتك يا ابنتي أم صدى خوفي؟
وفاء بإصرار :
أنا يقينك الوحيد.
أنا دمعك حين يثور قلبك.
إن ذهبتَ إليها ، سأبقى يتيمة من المعنى.
وإن بقيت، سأكون أنا النداء الذي يحميك من النداهة .
طارق يرتعش :
ولكن يا وفاء ،
ماذا لو كانت النداهة ليست موتًا، بل بابًا آخر؟
ماذا لو كانت الحقيقة هناك، لا هنا؟
أيمكن أن أعيش عمري كله سجين أسئلة بلا إجابات؟
وفاء بحزن :
الحقيقة ليست دائمًا هناك،
أحيانًا تكون هنا، في العيون التي تحتاجك،
في اليد التي تتمسك بك.
أنا حقيقتك يا أبي،
أما النداهة فهي سؤال بلا جواب ،
ولعنة بلا نهاية.
الصوت الداخلي بحدة :
لا تنصت إليها يا طارق!
النداهة ليست موتًا ، بل اكتشافًا!
ألن تخوض الغموض يومًا؟
ألن تواجه السؤال الأخير؟
طارق ممزقًا :
أنا ممزق بينكم
بين الغموض والمجهول،
بين الخوف واليقين.
إذا استسلمت، أجد ذاتي أو أفقدها.
إذا بقيت ، أحيا ناقصًا.
هل أقبل أن أكون ناقصًا لأبقى؟
أم كاملًا لأفنى؟
وفاء بدموع صارخة :
يا أبي!
الناقص الذي يبقى معي ،هو كمال العالم في عيني.
اخترني أنا ، لا صوت الظلام.
طارق ينظر إلى السماء :
لكن لماذا أنا؟ لماذا أنا وحدي؟
هل خُلقت لأكون مسرحًا لهذا الصراع؟
هل كل إنسان يحمل في داخله نداهته الخاصة؟
أم أنني مُثقل بلعنة لا تُورّث إلا لي؟
وفاء تقترب أكثر :
كل إنسان يسمع نداءات يا أبي،
لكن ليس كلهم يجيب.
سر قوتك أنك قادر على الرفض.
سر بقائي أنك تختارني على الغموض.
(صوت النداء يعلو فجأة،
عاصفًا، كأنه يبتلع المسرح كله.
الأضواء تهتز، الظلال تتراقص على الجدران.
الصراع يبلغ ذروته.)
الصوت الداخلي مجلجل :
هيا يا طارق!
خطوة واحدة ،وستذوب في الأبد!
طارق ممزقًا، يصرخ :
الأبد ، أم العدم؟!
الحقيقة ، أم الوهم؟!
من أنتِ أيتها النداهة؟
امرأة؟ قدر؟ أم أنا في صورة أخرى؟
وفاء بصرخة مدوية، تخترق كل شيء :
أبييييي!!!
(الصرخة تنفجر كوميض نور ساطع يغطي المسرح كله.
فجأة يتوقف صوت النداء.
صمت مطبق.
ثم يظهر طارق مغمورًا بالعرق، منهكًا،
لكنه واقف على قدميه.
وفاء تمسك بيده، تنظر في عينيه بدموع الانتصار.)
طارق بصوت مرتجف، لكنه ثابت :
انتصرت ، ليس عليّ ، بل عليكِ أنتِ يا وفاء.
أنتِ النداء الذي غلب النداهة.
أنتِ الحياة التي أنقذتني من فناء جميل لكنه قاتل.
(وفاء تبتسم وسط دموعها.
الأضواء البيضاء الباهرة تنحسر تدريجيًا.
لحظة صمت طويلة.
ثم يرفع طارق رأسه كمن يسمع شيئًا في داخله.)
طارق بهمس داخلي :
لكن ، ما زال الصدى هناك
النداهة لم تمت ،
إنها باقية في أذني، في أعماقي،
كجرح لا يندمل،
كأغنية سرية ستظل ترافقني حتى النهاية.
(الإضاءة تخفت ببطء.
يُسمع من بعيد صدى نداء باهت،
متداخل مع دقات قلب طارق،
يتلاشى تدريجيًا لكنه لا ينطفئ تمامًا.
الستار يسدل ببطء،
والجمهور يبقى معلقًا بين انتصار الحياة ،
وظل الغموض الذي لا يزول.)
" تمت "
وليس للنمرود سوى خُفي حُنين
وخليك يا شعب غلبان ، عامل زي شخشوبان ، بجسم خشب وعيون زجاج ، منين تشوف؟
يا إدريس : جهز جلسة الكهربا
طارق غريب