الكاتب الصحفي إبراهيم فوزي
في زمن المروءة والجود
كان العرب يُوقدون النار في مكان مرتفع حتى يراها تائه في الصحراء أو عابر سبيل فيقصدهم للأكل أو للمبيت اليوم
ما حدا لحدا ليس معنيّاً بغرقك أو حرائقك أحد
إنّه زمن الأنانيّة أوصلنا إلى الإقلاع حتى عن مشاهدة نشرة الأخبار المسائيّة كي لا يلمح لاجئ أو نازح من الخارج نور التلفزيون فيتوهّم أنّ ضميرنا ترك له النور مُضاءً أثناء مشاهدة مأساته، ويقصدنا عند الحاجة
نار العرب الأوائل تلك التي كانت مشتعلة على الربى العالية لا لِتُرهب ولا لتُحرق بل لتدلّ على ملاذٍ مفتوح على قلب يترقّب الضيف قبل أن يطرق الباب
كانت النار لسان الروح تقول للمارّ هنا بيتٌ لا يُسأل فيه الغريب عن نسبه بل عن جوعه وعطشه
أمّا اليوم فقد انطفأت نار الضيافة في الأرواح وبقي دخان الأنانيّة يعمينا عن بعضنا صار كلّ واحد يشيّد حول نفسه أسواراً من برود ويغلق منافذ الضوء خشية أن يتسلّل منها وجع الآخر لم تعد النيران على الجبال
بل في البيوت في القلوب في الحروب لم تعد تبعث على الطمأنينة بل على الفزع
أيّها العابر في هذا الزمن لا تبحث عن نورٍ في الخارج بل فتّش عن جمرٍ صغير في صدرك جمراً لا يراه أحد سواك فإن أنت حفظته من رماد القسوة ربما عاد يوماً ليكون قبساً يهدي التائهين
الصوفي لا يكتفي بأن يشعل ناراً على التلّ بل يوقد في داخله نار المحبّة علّها تذيب جليد العالم وتعيد للإنسان معنى الإنسان