JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
recent
عاجل
Startseite

البعد الآخر لرجال ثورة يوليو ؛ والذي لايبرزه حتى المتحمسون لها؛




انطباعات فنية
ضباط أحرار .. وفنانون كبار !!
ورَثوا رموزاً .. وصنعوا نجوماً .. وكَرَّموا معارضيهم !!

ظلَّ الرجُل طوال عمره ، يتعشَّقُها ، يهيمُ بها، ويناجيها عبْرَ صوت عبد الحليم حافظ :(سمراء يا حُلم الطفولة) ،و(لايق عليك الخال ..ياللي الهوا خالك) ،فلا تستجيب الفاتنة السمراء ..فيهمس لها بصوت عبد الوهاب:(أنا والعذاب وهواك ..عايشين لبعضينا) ،فلا تستجيب ..فيصف عبد المنعم السباعي حُلم حياته العصيَّ عبرَ محمد قنديل بأنها عنيدة :(جميل واسمر وطبعه عنيد ..أقرب له يروح لبعيد)..
وهي نفسها (السمراء الفاتنة) بررتْ هذا العناد وهذا البعاد لأم كلثوم حين تحدثتْ إليها :يا "مديحة" ..شوفي الراجل اللي بيحبك ده وعمال يكتب لك كل أشعاره ! فقالت لها: وماذا أنا فاعلة ؟! إنني سيدة متزوجة !! ثم تشدو له كوكب الشرق بأرقِّ أغانيه في السمراء العصية (المُحصَنة) : (أروح لمين)؟! .
مئات الأغاني أبدعها عبد المنعم السباعي ، جُلُّها في هذه المعشوقة ،وعاش ومات - عام ١٩٧٨ - وهو شادٍ بهوها ،مخلصٌ لعشقها - بدون أمل !- لينضم إلى كتيبة العشاق العذريين ، منذ عنترة بن شداد وقيس بن الملوَّح وقيس بن ذُريح ، ثم أحمد رامي - عاشق الست - وكامل الشناوي - عاشق نجاة - لكن عبد المنعم السباعي - ابن الكاتب والمترجم محمد السباعي وشقيق الكاتب الكبير يوسف السباعي- يختلف كثيراً عن كل هؤلاء العشاق ..إنه في حياته العملية والمهنية على النقيض من هذه الرقة والهيام ! إنه أحدُ الضباط الأحرار ، الذين وضعوا أرواحهم على أيديهم ليحرروا مصر ..وهو كأخية-الضابط - مبدعٌ كبيرٌ وقدم عطاءه الأدبيَّ منذ ما قبل ثورة يوليو - التي نُحيي اليوم ذكراها - فمنذ عام ١٩٤٨ كان ينشر مقالاته وقصائده في روزاليوسف ، وبعد الثورة تولَّى الإشراف على الإذاعة المصرية ، ثم تفرّغ للعمل بجريدة الجمهورية حتى وفاته.
ليس بدعة !!
ولم يكن عبد المنعم السباعي بدعاً في الجمع بين رقة المشاعر وجدية الحياة.. فهو ينخرط في قائمة ذهبيةٍ من الضباط الأحرار الفنانين والكُتاب والمثقفين: الشاعر يوسف صديق ،الدكتور ثروت عكاشة، الروائي يوسف السباعي ، خالد محيي الدين، جمال عبدالناصر، الفنان أحمد مظهر ، أنور السادات… ويذكر كلٌّ من سامي الزقم ونبيلة هاشم في كتابهما المشترك الصادر حديثاً:(حكام مصر ..ملك وولي عهد ومشير و٨رؤساء) أن مصر شهدتْ عصرها الذهبي في الثقافة خلال حكم عبدالناصر ،في مجالات السينما والإذاعة والتلفزيون والمسرح والآداب والفنون الجميلة والموسيقى ، وسادتْ مصرُ كلَّ محيطها العربي في هذه المجالات ، وقدمتْ رموزاً عالية من المفكرين والمبدعين ، على سبيل المثال لا الحصر: عبدالحليم حافظ ،محمد قنديل، صلاح طاهر، نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، محمود دياب، سهير القلماوي، صلاح عبدالصبور، حسن فتح الباب ، كمال نشأت، عبدالمنعم عواد يوسف، محمد مندور، عبدالرحمن الشرقاوي ، ميخائيل رومان، يوسف إدريس، ثروت أباظة، محمد الموجي ،كمال الطويل ، يوسف جوهر، محمد مهران السيد ،عبدالرحمن الخميسي ،نجاة الصغيرة، سعاد حسني…
تعظيم الرموز
حقاً ،لم تتسلم ثورة يوليو ساحة الوطن خاليةً من رموز العلم والفكر والفن ،بل كانت تلك الساحة تزخر بالرواد الكبار : توفيق الحكيم ،أحمد أمين، أمين الخولي، سلامة موسى، عباس العقاد، أم كلثوم ، طه حسين -الذي تولَّى رئاسة تحرير الجمهورية - رياض السنباطي ،يونس القاضي، نجيب محفوظ، عبد الوهاب، محمد فوزي …فاحتفتْ بهم جميعاً ،مؤيدين ومعارضين لها.. وفتحتْ لهم كلَّ آفاق النشر والذيوع بدون تحفظات ولا حدود.
كرَّمتْ الثورةُ عباس العقاد : أشدَّ منتقديها ،ومنحته أولَ جائزةٍ تقديرية ، وأنزلتْ العميد طه حسين منزلته اللائقة ، وقد ردَّ هو الجميل وأطلق أول مسمى لمصطلح(الثورة) على ما كان يُسمى حينذاك (الحركة) ،في مقال نشره بالجمهورية.
يعود احترام ضباط الثورة لهذه الرموز إلى نشأتهم ، من وسط الشعب، الطبقة الوسطى، وثقافتهم .. فقد كان هؤلاء الرموز -جيل طه حسين - أساتذةً لهم ..وكان نمط حياة كلِّ الشباب المتعلم في ذاك الزمن - سواءٌ عسكريين أمْ مدنيين - قائماً على قراءة الكتاب ،ومطالعة الصحيفة والمجلة ، ومشاهدة عروض المسرح والسينما.. فيذكر سامي الزقم ونبيلة هاشم في كتابهما القيم (حكام مصر..) أن هوايات عبد الناصر الشخصية كانت فن التصوير ولعبة الشطرنج ومشاهدة الأفلام السينمائية وقراءة الآداب العربية والإنجليزية والمجلات الفرنسية ،والاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية .. ويواصل الكاتبان التأكيد على الانتماء للطبقة الوسطى للزعيم نفسه، فيقولان: كان يأكل مثل أيِّ مواطن مصري عادي، ويفتخر بأن ملابسه تصنع في مصر .. ويكفيه فخراً أنه حين تولى منصب الرئاسة خلفاً للواء محمد نجيب ،رفض السكن مع عائلته في قصر الرئاسة الرسمي ،وأصرّ على البقاء في منزله المتواضع الذي اشتراه قبل الثورة في حي منشية البكري ،لكي يبقى إلى جانب أبناء شعبه ..وكان يتناول في وجباته اليومية الجبن والطعمية والفول المدمس والكشري.. وقبل زواج كريمته الكبرى (هدى) أخذ قرضاً من البنك لتجهيزها ،بضمانة راتبه ، ثم سدَّد أقساطه كاملةً ،ورفض أن يأخذ المبلغ من ميزانية الجيش ..وسلَّم كل الهدايا التي كان يحصل عليها من رؤساء الدول إلى الدولة المصرية.
أبناء القرية والشارع!!
هؤلاء الضباط الشباب المثقفون المنتمون للشارع والحارة والقرية المصرية كانوا يرصدون أدوار الكتّاب والفنانين الوطنية ،ومقاومتهم للاحتلال ،مثلما كانت تفعل الفنانة تحية كاريوكا التي مارست نشاطا وطنياً منذ عام ١٩٤٨ ،بمساعدة الفدائيين في مواجهتهم للاحتلال بمنطقة قناة السويس..كانت تنقل لهم الأسلحة في سيارتها الخاصة . كما شاركت في مقاومة العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ ، وأُلقيَ القبض عليها أكثر من مرة ..وهي التي آوتْ في منزل إخوتها بالإسماعيلية السادات في أثناء هروبه من الاحتلال الإنجليزي قبل الحرب العالمية الثانية . هذا إضافةً إلى نشاطها البارزكعضو في حزب الوفد الجديد وعددٍ من الجمعيات الأهلية. تذكَّرَ لها السادات كلَّ هذه المواقف واحتفى بها ، وكرَّمها في عيد الفن ، وخاطبها في حفل التكريم :(فاكره يا تحية لما خبيتيني عند أخواتك في الإسماعيلية لما كنت هربان من السجن؟!) ..والسادات هنا لا يرد لها الجميل فحسب ، بل يذكِّر معارضيه حينذاك بأدواره في مقاومة الاحتلال الإنجليزي قبل الثورة!!
ولاشك كذلك في أن التعامل الرفيق مع العقاد الذي لم يعترف بالثورة أبداً ، كان مبعثه يقين هؤلاء الضباط المثقفين بالمواقف الوطنية للعقاد ، وإسقاط عضويته في البرلمان المصري ، وسجنه بتهمة العيب في الذات الملكية قبل الثورة!
NameE-MailNachricht