بقلم: صبرى الهلالي
في زمانٍ استبدّت فيه ثقافة الصخب بالأذهان وتصدّرت فيه صور المشاهير أغلفة العقول وقلوب المراهقين صار النجاح عند كثيرين مرادفًا للشهرة والملاعب والنجومية
أما من اختار مقعد الجد والاجتهاد وفضّل معمل البحث على ملعب الكرة وارتضى طريق العلم على طريق الأضواء فصار في عُرف هذا العصر خارج السباق
ولأننا نؤمن أن الحقيقة دائمًا تسكن في الضفة الأخرى كان لابد أن نأخذ الاتجاه المعاكس لذلك التيار وأن نذكّر الشباب أن المجد لا يُقاس بعدد المتابعين ولا حجم التصفيق بل يُصنع بعرق الجبين وصدق النية وكدّ الساعات خلف الأهداف النبيلة
نعم محمد صلاح نجم كرة القدم المصري الأشهر هو قصة نجاح تُحترم
شاب خرج من إحدى قرى دلتا النيل من بيت بسيط دون مظلة ثراء أو وساطة وواجه الصعاب وضحى واغترب وكافح حتى صار اسمًا تتغنّى به الملاعب
ومع ذلك فالعبرة ليست بكرة القدم ولا بعدد الأهداف بل بقيمة الكفاح وروح الإصرار
فقصته درس لا يُقرأ من زاوية الشهرة بل من زاوية الجد والاجتهاد ومقاومة الإحباط
ومن الملاعب الإسبانية نجد نموذجًا آخر يُكمل المشهد في الاتجاه المعاكس
الفتى لامين يامال لاعب برشلونة الصاعد الذي رغم موهبته الكروية وشهرته في الملاعب لم يتخل عن تعليمه الأكاديمي ولا انشغل عن دراسته
بل واصل تحصيله العلمي كطالب مجتهد في تخصصه ليؤكد أن الشهرة ليست مبررًا للتخلي عن العلم ولا ذريعةً لترك الدراسة
هاتان التجربتان تحملان رسالة للجيل الجديد مفادها أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بضجيج الأضواء
وأن المجد الحقيقي لا يصنعه من يُحسن اللهو بل من يُتقن الجد وأن رفعة الأوطان لا تُبنى بالأقدام وحدها بل بالعقول والسواعد والأفكار الجادة والمؤسف أننا في مجتمعنا الشرقي نغرق اليوم في وهم الشهرة نُصفق للمغني ونهتف للاعب ونتابع عارض الأزياء ونتجاهل الطبيب المتفاني والعالم الصابر والمهندس المبدع بينما الحقيقة تقول إن الأمم العظيمة تُبنى على أكتاف الجد لا على أضواء المسرح إن بلادنا تحتاج إلى شباب يفهم أن الله يرزق من يشاء نعم لكن الرزق لا يأتي مع الكسل ولا المجد مع التواكل وأن لكلٍ منّا قدرٌ مكتوب ومسارٌ مرسوم لكن يُضاعف الله لمن اجتهد وأخلص وبذل وأعطى
في الاتجاه المعاكس
ندعو شباب هذا الجيل أن يختاروا طريق العزيمة لا طريق التفاهة
طريق الإبداع لا طريق التقليد
طريق العلم لا طريق الشهرة الزائفة
فما أحوج وطننا اليوم إلى طبيبٍ متفانٍ ومعلّمٍ مخلص ومهندسٍ مبدع وصانعٍ ماهر وعاملٍ مُتقن
وما أسهل أن تصبح "محمد صلاح" أو "يامال" في مجالك أنت لو شئت ولو أردت ولو أخلصت العمل
ختامًا
من شاء المجد فليشقّ الطريق
ومن أراد الرفعة فليتعب في محرابه
فالنجاح الحقيقي لا يولد في ملاعب الكرة وحدها
بل يصنعه من اختار الاتجاه المعاكس وسار فيه بثبات