كتبت: إيمان الدمرانى
لم يعد ما نعيشه اليوم في الشرق الأوسط مجرد تطورات متفرقة، بل نحن في قلب لحظة تاريخية فارقة، قد لا تتكرر لعقود. لحظة تشهد تداخلًا معقدًا بين الاحتراب العسكري، الانهيار الاقتصادي، والتغيرات السياسية المتسارعة، لكنها أيضًا – وللمفارقة – تتيح فرصة نادرة لإعادة بناء الإقليم على أسس جديدة.
إن المتابع بدقة لما يجري حاليًا يلحظ أن المنطقة تسير على حافة هاوية، حيث تتزايد حدة المواجهات بين قوى كبرى مثل إيران وإسرائيل، وتتوسع رقعة التدخلات الإقليمية والدولية، في ظل غياب أي مظلة حقيقية لردع التصعيد أو لخلق مسار سياسي متزن. ولكن وسط هذا الاحتقان، تتشكل ملامح شرق أوسط جديد... لم يُكتب بعد.
لماذا هذه اللحظة مختلفة؟
على خلاف محطات تاريخية سابقة، باتت الشعوب الآن أكثر وعيًا، وأكثر تعبًا أيضًا. ولم يعد بإمكان أي طرف – داخليًا أو خارجيًا – أن يُدير المشهد كما كان يُدار في الماضي، بالتحكم في الإعلام . نحن أمام حالة من التشبع بالأزمات، وفي الوقت نفسه، نُدرك أن الاستمرار على النهج الحالي يقود إلى المجهول.
هناك دول باتت على وشك الانفجار من الداخل، وأخرى تحاول النجاة عبر سياسات التوازن .
فرصة أم تهديد؟
بقدر ما يحمل هذا المشهد من مخاطر، فهو يفتح بابًا نادرًا للتغيير. الشرق الأوسط لديه كل مقومات النهوض: ثروات طبيعية، موقع استراتيجي، طاقات بشرية هائلة.
إن التحدي الحقيقي ليس فقط في تفادي الحرب، بل في إعادة تعريف العلاقات بين دول المنطقة، وبناء جسور التعاون بدلًا من الجدران، واحترام إرادة الشعوب بدلًا من القفز فوقها.
إن الشرق الأوسط، بتاريخه العريق ومآسيه الطويلة، لا يتحمل مزيدًا من الدم. اللحظة الحالية ليست مجرد أزمة عابرة، بل مفترق طرق حقيقي: إما نُعيد تشكيل واقعنا بأيدينا، أو يُعاد تشكيلنا من قبل قوى لا ترى فينا سوى أدوات.
بقدر ما يحمل هذا المشهد من مخاطر، فهو يفتح بابًا نادرًا للتغيير. واللافت أن مصر، بثقلها التاريخي والجغرافي والسياسي، تبدو الآن أمام مسؤولية محورية في توجيه دفة الأحداث.
فمصر، التي لطالما كانت رمانة الميزان في الشرق الأوسط، تتحرك اليوم بحذر وحكمة وسط هذه العاصفة، من خلال دعمها لمسارات التهدئة، ومبادرات السلام، واحتضانها للقضية الفلسطينية بوصفها جوهر الصراع الإقليمي.
كما أنها تشكل جدارًا استراتيجيًا ضد انزلاق المنطقة نحو الانفجار، سواء عبر تحركاتها الدبلوماسية، أو من خلال موقعها المحوري في الملفات الأمنية وممرات الطاقة والتجارة العالمية. ولا يمكن إغفال دور القاهرة كصوت عقلاني في عالم يزداد فيه الضجيج والارتباك.
إن دعم مصر لاستقرار دول الجوار، من ليبيا والسودان، إلى القضية المركزية في غزة، يعكس إيمانها بأن أمن الإقليم لا يتحقق إلا عبر شبكة من المصالح المشتركة والسلام العادل، لا من خلال الاصطفافات العنيفة أو الاستقطاب الطائفي.
الشرق الأوسط، بتاريخه العريق ومآسيه الطويلة، لا يتحمل مزيدًا من الدم. اللحظة الحالية ليست مجرد أزمة عابرة، بل مفترق طرق حقيقي:
إما نُعيد تشكيل واقعنا بأيدينا، أو يُعاد تشكيلنا من قبل قوى لا ترى فينا سوى أدوات.
وعلى رأس هذه اليد التي يمكن أن ترسم طريق النجاة، تقف مصر، بقوتها الناعمة والخشنة، وبشعبها الواعي، وبإرثها العميق في حفظ التوازنات.
ما نحتاجه اليوم ليس مجرد قرارات، بل رؤية جريئة وشجاعة فكرية تليق بحجم اللحظة.