JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
recent
عاجل
Accueil

زمن الرويبضة

  



بقلم :إيمان الدمرانى

في زماننا هذا، الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام منابر مفتوحة لكل من أراد أن يتحدث، ظهر على السطح صنف خطير من الناس وصفه النبي صلى الله عليه وسلم  بدقة نادرة في حديث جامع مانع، حيث قال:"سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة."


قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة."


حديث يحمل بين طياته إنذارًا عظيمًا من فتنة كبرى، تتجسد في تصدّر من لا علم له، ولا فكر، ولا حكمة، للحديث في شؤون الأمة ومصائر الشعوب.


و المعنى اللغوي لكلمة"الرويبضة " هى تصغير "رُبَض"، وهو الرجل الحقير التافه، الذي لا يُؤبه له. والتصغير هنا ليس فقط من باب اللغة، بل للتقليل من شأنه وبيان تفاهته.


أما المعنى في الشرع: هو من يتجرأ على الفتوى والكلام في القضايا العامة دون علم أو أهلية. وليس القصد أن كل إنسان لا يحمل شهادة علمية لا يجوز له الكلام، ولكن الخطورة تكمن حين يتصدر ويفرض رأيه ويتحدث باسم "الشعب" أو "الدين" أو "الوطن"، دون وعي ولا ضمير.


و من صفات الرويبضة  انه به جهل مركّب ، حيث انه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري ، بل يتحدث بثقة زائفة وكأن كلامه وحي لا يُرد.و لديه سطحية فكرية و لا يملك عمقًا ولا استيعابًا للقضايا بل  يهتم بالشكل لا بالمضمون، وبالتفاعل لا بالحقيقة ، بل نجده يهاجم العلماء والمفكرين ويصفهم بـ"النخبة الفاشلة".


و من صفات " الرويبضة" الاعتماد على العاطفة و ليس الدليل 


و من مظاهر الرويبضة في العصر الحديث نجد بعضهم على منصات التواصل الاجتماعي: مؤثرون يتكلمون في السياسة، الاقتصاد، والفتاوى الدينية، دون علم أو أهلية.


أما في الإعلام ن أحيانا نجد  برامج تستضيف من لا علم لهم لمناقشة قضايا حساسة، فقط من أجل الإثارة والربح.


في السياسة: بعض المسؤولين يُعيَّنون لمجرد ولائهم لا لكفاءتهم، فيتخذون قرارات كارثية.


في الدين: أدعياء وعاظ، لا دراية لهم بالشريعة، يضلّون الناس بمفاهيم مغلوطة.


من أخطر آثار " الرويبضة"  على المجتمع هو تشويه الحقائق و ترويج لمفاهيم مغلوطة، فيظن الناس أن الباطل حق والعكس.


و أيضا إسقاط الرموز و  التشكيك في العلماء والدعاة والمفكرين ليخلو له المجال.


كما يعمل هؤلاء على إضعاف الوعي الجمعي: و السيطرة على عقول البسطاء، وزرع فيهم أفكارًا مشوهة.


حين يتولى الجاهل زمام القرار، لا تنتظر تقدمًا ولا إصلاحًا.


الرويبضة يمثل انقلابًا في معايير القيادة والتأثير، حيث يصبح التافه  أحيانا هو المتحدث الرسمي، والعالم مهملًا منسيًا.


و لكن السؤال لاذى يطرح نفسه : كيف نحمي أنفسنا من خطر الرويبضة؟


الإجابة تنحصر فى الرجوع إلى أهل العلم في كل تخصص. ، و أيضا تعزيز التربية على التفكير النقدي لا التبعية العمياء.و كذلك دعم النخب الحقيقية وتوفير منابر لهم.


كما ينبى فلترة المعلومات، والتمييز بين المتخصص والدخيل.


المقاطعة الواعية لكل من يضر بالعقول ويضلل الناس.


لقد كان وصف النبي صلى الله عليه وسلم " للرويبضة " بمثابة نبوة دقيقة تعكس واقعًا نعيشه في كثير من المجتمعات. نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نسمح للرويبضة بقيادة العقول إلى الهلاك، أو أن نقف وقفة وعي ونجعل من الكفاءة والصدق معيارنا فيمن نسمع له ونمنحه التأثير. فالعلم أمانة، والكلمة مسؤولية، والمجتمعات لا تنهض بالصوت العالي، بل بالعقل الراجح.

NomE-mailMessage