بقلم ايمان الدمرانى
في مساءٍ ثقيلٍ من أيار، تأهبت السماء لرمي حمولتها فوق عروس المتوسط.
هبّت الرياح كأنها تبحث عن مدينةٍ نسيت أن تغلق نوافذها، واقتلعت معها صمت الليل، وألقت به بين الأزقة.
صرخت الأعمدة، وانحنت الأشجار، وتمايلت الشرفات في رقصةِ خوفٍ لم تكن مدعوة إليها.
الإسكندرية، تلك العجوز الحكيمة، رفعت طرف ثوبها عن مياه المطر، وسارت ببطء في حاراتها، كمن يعبر ذاكرته على رؤوس الأصابع.
غمرت الأمواج أرصفة الكورنيش، وضربت الشواطئ كأن البحر يذكّر المدينة أنه لا يزال الأقرب إلى قلبها، والأسرع غضبًا منها.
لم تبكِ المدينة من الألم، بل اغتسلت…
نعم، اغتسلت من غبار الأيام، ومن صبرٍ طويلٍ كان يثقل روحها.
غسلت النوافذ، والقلوب، والطرقات…
وغسلت معها أوجاع الناس الذين انتظروا الصباح بعيونٍ مشرعةٍ على السماء، وقلوبٍ نصفها رجاء، ونصفها صمود.
وفي الصباح…
خرجت الشمس على استحياء، تمسح بلطفٍ ما فعله الليل.
خرج الأطفال يخطّون أسماءهم على زجاج السيارات المبتل، وخرجت النساء ينفضن الماء عن الشرفات، بينما بقيت الإسكندرية واقفة، مبلّلة، لكن شامخة.
تمامًا كما كانت دائمًا… مدينةٌ لا تكسرها العواصف، بل تعيد تشكيلها.
