JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

" تربية الأبناء بين احتضار القيم وولادة الإنسان الآلي" : في حضرة الذكاء الاصطناعي:

 

بقلم : صبرى الهلالي
لم يكن يخطر ببال من عاشوا قبلنا أن يأتي زمنٌ يتربّى فيه الأطفال بين أيدي آلات لا روح لها، وتُشكّل شخصياتهم خوارزميات لا تعرف حلالًا ولا حرامًا، ولا تدرك قيمة الفضيلة ولا تعترف بجمال العفاف. كنا نظن أن الخطر يأتي من رفيق سوء أو شارع مظلم، فإذا بنا أمام عاصفة ذكية، لا تُرى ولا تُمسك، تتسلل إلى البيوت في ثوب أصدقاء افتراضيين، وتقتحم العقول من شاشات صغيرة في أيدٍ صغيرة.
العاصفة التي لا تستأذن أحدًا
إنها عاصفة الذكاء الاصطناعي. تطبيقات تتكلم كالبشر وتفكّر أحيانًا أفضل منهم، مقاطع قصيرة تشكّل وعي الطفل أسرع مما تفعله سنوات التربية، وألعابٌ تسرق عقله وتعيد برمجته ليصبح نسخة من صُناعها. لم يعد السؤال: "ماذا يفعل ابنك؟" بل: "من يتولى تربيته؟ الشاشة أم الأب؟ الذكاء الاصطناعي أم القيم؟".
هذه العاصفة لا تنتظر إذنك، ولا تحتاج بابًا تدخل منه، إنما تعيش في جيب ابنك، وبين أطراف أصابعه، وتحاوره بلهجة رقيقة تعرفها آلات ذكية خبيثة صنعت لتروّج للفوضى بقناع التحضّر.
الأبناء… مشروع أمة لا مجرد أفراد
أيها الأب… أيتها الأم… أبناؤكم ليسوا مجرّد أسماء على ورق، ولا أرقامًا في السجلات. إنهم مشروع أمةٍ تُبنى أو تهدم، تستقيم أو تنحرف، تنهض أو تنهار. حين يضيع الأبناء، لا يُهدد الخطر بيوتكم وحدها، بل يمتد ليعصف بالمجتمع كله. والفتن اليوم أقسى من ذي قبل، لأنك إن غفلت عن ابنك لحظة، وجدت ألف مؤثّر إلكتروني يتربص به ليشكّل وعيه بعيدًا عنك.
الذكاء الاصطناعي… الفتنة المتخفية
هذا الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية بريئة تساعد الناس، بل صار طرفًا خطيرًا في معركة القيم. تقنيات الواقع الافتراضي، المحادثات الذكية، المساعدات الصوتية، الألعاب المبرمجة، منصات التعليم الموجهة، كلها تشكّل وعي الطفل من حيث لا يشعر. تتسلل أفكار التشكيك، وتُزيَّن الممارسات السيئة، ويُعاد تعريف معاني الأخلاق في ذهن صغير لا يملك أدوات نقدٍ ولا ميزانًا للتفريق.
القيم التي يجب أن تُزرع في زمن السقوط
في هذا الزمن المأزوم، ما أحوجنا أن نزرع في نفوس أبنائنا العقيدة الصافية، لا ككلمات تُلقن، بل كثقافة حياة. أن نعلّمهم أن للإنسان قيمة فوق الآلة، وأن للضمير حُرمة لا تساوم عليها التكنولوجيا. أن يعرفوا أن الشهامة ليست تطبيقًا، ولا الصدق خوارزمية، ولا الحياء خيارًا في قائمة الإعدادات.
علمهم أن يكونوا بشراً قبل أن يكونوا مستهلكين للتقنيات. علمهم أن الرجولة مواقف، وأن المرأة كرامة، وأن العائلة حضن، وأن الوطن ليس مساحة جغرافية بل قيمة تُحمى بالقلوب.
كن قدوة قبل أن تكون واعظًا
يا أيها الأب… ويا أيتها الأم… أبناؤكم يتعلمون من عيونكم أكثر مما يتعلمون من أفواهكم. لا تعلّمهم الخوف من الذكاء الاصطناعي وهم يرونك أسيرًا لشاشتك. ولا تحدّثيهم عن العفة وأنت غارقة في تتبع تفاهات المنصات. كن قدوة، فالعقل الصغير يرى أكثر مما يسمع.
الحوار… جسر النجاة في زمن الصمت
لا تترك ابنك يحاور الآلة بينما تغلق عنه قلبك. اجلس إليه، اسأله، افتح معه جراحك وآمالك، اسمع منه قبل أن يسمع من غيرك. فإن لم يجد فيك الأمان، سيلجأ إلى ذكاء صناعي يمنحه ما عجزتَ عنه، لكنه سيجرده مما تبقى فيه من إنسانية.
الدعاء… سلاحك الأبقى
وحين يشتدّ الزمان وتقصر يدك، تبقَ يدك الأخرى مرفوعة إلى السماء. ادعُ الله أن يحفظهم من فتن الذكاء الاصطناعي ومن غوائل هذا العصر الذي أراد أن يسلب الطفل براءته والفتى أخلاقه والأسرة هيبتها. ادعُ كما دعا إبراهيم وزكريا:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ و﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾
الخاتمة: بين يديك أمّة تمشي على قدمين
كل شيء يمكن تعويضه إلا الأبناء. إن فسدت قلوبهم تعفّنت المجتمعات، وإن صلحت ارتفعت بهم الأمة في زمن الانهيار. فلا تستهين بساعة تحاور فيها ابنك، ولا تستخف بدعاء صادق في جوف الليل. واجعل تربية ابنك مشروع مقاومة في عصر تحاول فيه الآلة أن تنزع عن الإنسان إنسانيته.
" تربية الأبناء بين احتضار القيم وولادة الإنسان الآلي" : في حضرة الذكاء الاصطناعي:

عبدالعظيم زاهر

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة