بقلم . عبدالحميد نقريش :
في مشهد سيظل محفورًا في الذاكرة، جرت اليوم واحدة من أكثر عمليات تبادل المحتجزين دراماتيكية في التاريخ الحديث. عملية لم تكن مجرد تبادل للأسرى، بل كانت انعكاسًا للواقع السياسي والعسكري الذي يشهده الشرق الأوسط، حيث تتداخل المشاعر بين النصر والإنسانية، بين القوة والتسامح.
وسط مشهد مشحون بالعواطف، حدث ما لم يكن متوقعًا. أحد المحتجزين الإسرائيليين، الذي أُطلق سراحه اليوم في إطار صفقة التبادل، لم يتمالك دموعه وهو يقترب من مقاتلي المقاومة، الذين كانوا قد أفرجوا عنه. في لحظة صادمة ومؤثرة، انحنى الرجل وقبّل رؤوس مقاتلي المقاومة واحدًا تلو الآخر، في مشهد أثار الدهشة وأشعل وسائل الإعلام العالمية.
كان واضحًا أن الرجل تأثر بالمعاملة التي تلقاها أثناء احتجازه، حيث لم يكن في نظره مجرد “أسير حرب”، بل إنسانيته فرضت نفسها، ليعبّر بتلك القبلة عن مزيج من الامتنان والرهبة وربما حتى الإدراك العميق لتعقيدات الصراع.
صفقة التبادل: حسابات القوة والإنسانية
جاءت هذه الصفقة بعد شهور من المفاوضات الحادة والضغوط الدولية، حيث تمكنت المقاومة من فرض شروطها واستعادة مجموعة من مقاتليها الأسرى لدى الجانب الإسرائيلي. كانت لحظة اللقاء بين المحتجزين المحرَّرين وذويهم مشحونة بالمشاعر، حيث تعالت الهتافات وزُفّ الأبطال المحرَّرون كعرسان النصر.
من الجانب الإسرائيلي، كانت المشاهد مختلفة تمامًا، إذ بدت علامات الصدمة والتأثر على وجوه المسؤولين والجمهور، فالمعادلة تغيرت، والتكتيكات التي اعتادوا عليها لم تعد مجدية بنفس الشكل.
هذه اللحظة قد لا تغير مسار الصراع، لكنها بالتأكيد ستبقى علامة فارقة في تاريخ المواجهة. ستظل تلك القبلة رمزًا للحظة إنسانية نادرة وسط بحر من الصراع، ورسالة للعالم بأن الحرب ليست مجرد أرقام وخطط عسكرية، بل هي قصص بشرية تتقاطع فيها المشاعر بأعقد أشكالها.
اليوم، انتهت عملية تبادل، لكن المعركة السياسية والنفسية لم تنتهِ بعد.