بقلم _ حامد حبيب_مصر
الشُّعراءُ و رُوح العصر وكيف ينهضُ الأدبُ بالمجتمع؟
الشعراءُ _ فى الغالبِ _ هم المعبّرون
عن أرواحِ العصور ، وهم المحدّثون عن دخائلِها وأسرارِها. فالشاعرُ لامفرّ له من أن
يستنشقَ جوَّ عصرِه ، سواءً كان هذا الجوُّ صافياً أو ملوّثاً ، ولايمكنه قطعَ
الصِّلةِ بينه وبين عصرِه، وهناك قدرٌ كبيرٌ من قوَّةِ الشاعر مردّه إلى عصرِه ،
والشاعرُ يكتملُ نُضجُه من قوَّةِ العصر وقوّةِ العبقرية. فلو أقبل شاعرٌ كبيرٌ إلى
عصرٍ لم تكن الحياةُ الفكريّةُ فيه مزدهرة متدفّقة ، جاء شعرُه ساذجاّ ، لكن إذا
التأمَت القوّتان ظهرت جوانبُه الإبداعية. فالمتنبّى والمعرّى والشريف الرّضى نبغوا
فى أنضجِ أوقات الحضارة الإسلامية وأروعِ أزمنتِها... وشكسبير... زامنَ عصر إحياءِ
العلوم ، ووثبةِ العلم ونهضة الفلسفة ، لذا نرى إلى جانبِ كلٍ شاعرٍ كبيرٍ فيلسوفاً
يستند عليه، وينهلُ من بئرِه. فالشاعرُ الحق ينتفعُ من مجهودات العالِم وأفكارِ
الفيلسوف ، وعندما يُعرِضُ الأدباءُ عن العلم ، ويزهدون الفلسفة ، تتضاءلُ ثقافتُهم
، مما يؤثِّرُ حتماً على مستوى منتجَهم الأدبى ، فقد صار من العادةِ إطلاق صفة
مُثقّف على الأديب، وهو مايُحتّمُ عليه بالضرورةِ أن يكونَ كذلك. فالفيلسوف أو
العالم ، يبتكرُ أفكاراً للعصرِ ، بينما الشاعرُ يبعثُ فيها موسيقاه الساحرة ،
ويُسبغ عليها الجمال الفنّى ، والتغنّى بتلك الأفكار ويُشعِر الآخرين بها. فبين
الأدبِ والعلم والفلسفة صلةٌ عضويَّةٌ متينة، لانها مظاهرُ حياةِ الأُمَم الروحيّة
، لذا ، عندما قوِىَ التفكيرُ العلمى فى القرنِ التاسع عشر ، تركَ أثراً واضحاً فى
الأدبِ ومذاهبِه....والعلمُ يُفسِحُ الآفاقَ ويُنيرُ الطريقَ للشاعر ، كما تُقدّمُ
له طائفةً من الأفكارِ المناسبة والعميقة. فالادب والعلم والفلسفة ، إخوةٌ ثلاثة ،
لاينبغى التفريق بينهم بايّةِ حالٍ من الأحوال. ويرى(تين) أنَّ الأدبَ عنوانُ
نفسيّةِ الشعوب ومفتاحُ قلوبها، وأنّ الشاعرَ نتيجةُ عواملَ ثلاثة، وهى: البيئة
والسُّلالة والعصر. غيرَ أننا لا ينبغى أن نجهلَ نفسيّةِ الشاعر المتفرّدة صاحبة
الأثر الكبير على نتاجِه الأدبى، وعلى سرعةِ التأثيرِ فى الآخَر ، حتى إنه يُعتمَد
عليه فى المقامِ الأوّل فى استنهاض الشعوب ودفعهم للتغيير على المستوى السياسي أو
الاقتصادي أو الاجتماعى أو الثقافى ، أو التهيئة والتعبئة الشعورية لدى المجتمع
للدفاع عن كرامة الأوطان ورد العتبار، كما فعل(عبد الناصر)عقب هزيمة١٩٦٧م ، بتحفيز
القوى الناعمة (صحافة_فن_أدب) ، والذى بالفعل كان له تأثيره الخطير فى ردّ
الاعتبار،وهو ما يجعل الأدب مختلفاً تماماً عن الفيلسوف والعالِم ، فى خصوصيات
وملامح كلاً منهم . لكن علينا أن ندركَ أننا نحتاجُ تلك النهضة الشاملة التى يصنعها
الأديبُ والفيلسوفُ والعالِم.
