πππππππ سرُّ تمايُز القصةِ القصيرة πππππππ
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
من المقولات العتيقة التى بدَت كأنّها نوع من السُّلطة المفروضة على الكُتّابِ والكتابة ، هى مقولةُ
"النوع الأدبى"، والتى وقع الهجوم عليها من جهاتٍ
متعدّدة ، إذ أنّ الانواعَ لم يعُد لها ثباتها القديم التقليدى ، وأصبحَ كل نصٍّ كأنّه نوع فى ذاته ، ولم يعد من السهل أن تجمع مجموعة من النصوص يمكنك أن تقول عليها إنها تنتمى إلى" نوع أدبى" واحد ، فقد تضاءلت قيمةُ تحديد النوع ، ولم تعد نظرية الأنواع تحتلّ مكان الصدارة فى الدراسات الأدبية الحديثة ، حيث أن التمييز بين الأنواع الأدبية لم يعُد ذا أهمية فى كتابات معظم كُتّاب هذا العصر، لأن الأنواع صارت فى خلطٍ ومزج ، والقديمُ
منها تم تجاوزه، أو تحويره، وتُخلَق من الحين للآخَر
أنواع جديدة ،حتى صار مفهوم النوع غير ذى قيمة، بل موضع شكّ.
فتعريف النوع يتم وفقاً لشكله الخارجى أحياناً (الطول_القِصَر_...)، ووفقاّ لشكلِه الداخلى أحياناً
(الموقف_الموضوع_....)..والنوع قد يتاسّس على وجود سمة واحدة تشترك فيها مجموعة من الأعمال ، أو مجموعة من السمات مُركّبة على نحو مُعيّن ، وبناءّ على ذلك يختلف النقّاد حول عدد الأنواع ، فمنهم من يقترح "أن يكون كلُّ عملٍ نوعاً فى ذاتِه ، ومنهم من يقترح أن يكونَ هناك نوعان: أدب ، ولا أدب ، ويقترحون أن تكون ثلاثة: غنائى، وملحمى ،ودراما.. ويقترحون أربعة:غنائى، وملحمى، ودراما، وقصّ نثرى.
وعمل (التفكيكيون) على هدم مفهوم"النوع الأدبى"
وقالوا إنَّ هُويّة النوع لايُمكن تحديدها بجسم ، لأننا
فى هذه الحالة سنجرى وراء الأنواع فى إطار لعبة
"الاختلاف" التى لاتنتهى ، وتثبيت النوع ليست إلا محاولة تحكُّميّة من صُنع الثقافة ، تعمل بها على إيقاف اللُّعبة التى لاتتوقّف.
أما (البنيويين) وأتباعهم ممّن رفضوا مفهوم النوع،
واحلّوا مكانَه مفهوم"النّصّ" لم يتوصّلوا لمفهوم أو تعريف بنيوى للنصّ الأدبى ، فعجزوا عن تقديم مفهوم بديل للنوع ، وأن هناك عقبات مُستخلَصة من التفكير النظرى ، فكل نصّ يستند لجملة خصائص تسمح ب "تنويعه".. أى إدراجه ضمن نوع أدبى، ومحاولة تحقيق نمذجة بنوية عامة لجميع أنواع الخطاب الأدبى ، أمرٌ مازال لم تكتمل معالمه حتى الآن.
ونُقّاد مع بعد الحداثة، يحاولون أن يعملوا بلا نظرية للنوع .
وهناك اعتراف ضمنى من البعض بوجود الأنواع الأدبية وأهميتها فى الدراسات الأدبية ، ولكنها تتعامل مع النوع الأدبى باعتبارِه مفهوماً مرِناً ومفتوحاً ، يسمح بالتعدُّد والتداخُل ، وإنه مفهومٌ يطوّر من نفسِه مع الزمن.
فالأنواعُ الأدبية مفاهيم مرِنة متطوّرة ، بمعنى أنها تتطوّر من عصرٍ إلى عصر ، ومن فترة إلى فترة، ومن مدرسة إلى مدرسة ،ومن كاتبٍ إلى كاتب.. فكل عمل جديد_ إذا كان عملاً أصيلاً_ يضيف إلى النوع ،
وكل كاتب متميّز يُغيّر من طبيعةِ النوع ، وأمام هذا التغيُّر الدائم للنوع الأدبى ، يسعى النقّاد لضبط مصطلحاتهم وتنميتها ، لمتابعة النصوص الجديدة
فالنقّادُ على وعىٍ بما يحدث للنوع الأدبى من تغيُّر.
وقد كان (أرسطو) نفسه على وعى بإمكانية تداخل الأنواع ، بسبب تداخل المقولات أوالجوانب التى يتألّف منها مفهوم النوع..، حتى أنه لاحظ أنّ (سوفوليكس) الذى هو كاتب دراما أساساً ، يتداخل
مع ( هوميروس ) كاتب الملاحم ، ويتداخل (سوفوكليس) كاتب التراجيديا مع( أرسطو فانيس)
كاتب الكوميديا فى طريقة المحاكاة والعرض الدرامى.
والقصة القصيرة بين الأنواع ، مفهوم اكثر إشكالاً،ولايكفى لحل هذه الإشكالية أن نقول إنّها تبتعد عن الرواية بقدر ماتقترب من الشعر والدراما، وإنّ هذا سرُّ تمايُزها وهويّتها المستقلة ، وأنها_فى الوقت ذاتُه_ تقترب من ذاتية الشاعر ومنظوره الشخصى ، ولاتتخلّى عن موضوعية الرواية ونثريتها ، فهى نوعٌ "بينىّ"او "هجين".
ويصفها(فاليرى شو) بانها"توفيقٌ بين المتناقضات،
تفاعُل بين التوتُّرات والمقاولات المتضادّة : قصيرة لكنها رنّانة، مكتوبة نثراً لكن بها كثافة الشعر.. مصنوعة من كلمات سوداء على صفحة بيضاء، لكنها
تومض باللون والحركة ، مكتوبة لكنها تحاكى الكلام
الإنسانى..يبدو ان العامل الوحيد المشترك فيها ، هو هذا التوازن الذى نسعى إليه".
وقال(شكرى عيّاد) :"إنّ القصة القصيرة تبدو جامعة للنقيضين فى وقت واحد، موغلة فى الذاتية موغلة فى الموضوعية".
وكاتب القصة القصيرة يختار دائماً الزاوية التى يتناول الحياة منها ، وكل اختيار يقوم به يحتوى على إمكانية قالب جديد.
------------------------
حامد حبيب_مصر
